جيبو بادجي, مؤرخ شعب زرما في النيجر |
استمعتُ مؤخرا على حكاية شعبية من النيجر في موقع "يوتيوب", وبعد الترجمة من بعض الإخوة اتضح أنها تتناول قصة أحد أمراء "زرما" وتاريخ مملكة مالي. كما أنها من أعمال المؤرخ والحكواتي النيجري "جيبو بادجي".
وقد عرض "بادجي" - في أدائه التراثي هذا وغيره من الأعمال الصادرة منه - كنوزَا ثقافية وملاحم تاريخية عبر الحكايات السردية أو أغاني المدح والأشعار. ما يعني أن الحكواتي أو (Jeli) عند الماندينغ و (Griot) في اللغة الفرنسية أو (Akewi) عند اليوروبا - مستودع لأخبار الوقائع التاريخية والتقاليد الشفوية وقائد بسبب موقعه كمستشار لشخصيات ملكية.
وهناك شخصيات كثيرة أخرى مارسوا / يمارسون مهنة سرد القصص بطرق مختلفة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, كـ: Balla Fasséké الذي عُيّن من قبل ملك الماندينغ "ناري ماغان كوناتي" ليقدم لابنه مؤسس مملكة مالي "سوندياتا كيتا" النصائح والمشورة في عهده. وهناك أيضا Thione Seck في السنغال, و Muhamman Shata , Lanrewaju Adepoju ,Sulaimon Ayilara Ajobiewe في نيجيريا, و Papa Susso في غامبيا وغيرهم الكثير.
كان النيجري "جيبو بادجي Djibo Badjé" الشهير أيضا باسم "دِيَلْبَا", مؤرخا شهيرا وراوي قصص شفوية من عرقية "زَرْما"، وهو آخر من عَرَف جميع سلاسل النسب للعائلات العظيمة في مجتمع النيجر - ما يقرب من 300 نسب. كما أنه قادر على سرد الملاحم العظيمة بين "سُنغاي" و "زَرْما" التي لها ارتباط تاريخي مع إمبراطورية "سنغاي".
ويرافق "بادجي" - الذي قال عن نفسه يوما: "أنا أمّ وأب الكلمة" - العود ذو الثلاث أوتار. ولأنه أخفق في نقل هذا الكنز الثقافي الثريّ لأبنائه كي يخلفوه من بعده، فقد أمضى أوقاتا في سنواته الأخيرة لنقل تراثه الشفوي إلى عالمة الاثنولوجيا السويسرية "ساندرا بورناند" - والتي التقى بها وهي طالبة شابة جاءت لقضاء شهر في نيامي عاصمة النيجر عام 1994. وخلال هذا الاجتماع الأول، أوضح "جيبو" لـ"بورناند" أهمية مهنته وجعلها تسجل قصة أولية منه.
جيبو مع أحد أبنائه، بوريما جيبو. مصدر الصور: RFI |
وقد توفي "جيبو بادجي" ، آخر كبير مؤرّخي شعب "زرْما" يوم 24 من شهر أبريل الماضي (2018) عن عمر يناهز 80 عاما.
أما "زرما", فهي مجموعة عرقية تتواجد غالبيتها في الجزء الغربي من النيجر، وبأعداد كبيرة في المناطق المتاخمة لنيجيريا وبنين، إلى جانب أعداد في بوركينا فاسو وساحل العاج وغانا.
بدأ "جيبو بادجي" تعلّم سلالات "زرما" في سن 7 من والده "بادجي بانيا"، وحفظ جميع الأنساب من نبلاء "زرما" وعائلات "سنغاى" في النيجر ليلة بعد ليلة جالسا بجانب "دودا douda" (النار). يضاف إلى ذلك ما علّمه والده من أنساب المشيخات التقليدية وقصص محاربي "زرما".
ومع ذلك, لم يكن أيٌّ من أبناء "جيبو بادجي" البالغ عددهم 30 أو نحو ذلك - الذين تلقوا دروسهم من المدرسة الحديثة - مهتمين باتباع هذا التعلّم الشفهي ومتابعة تلقى هذا الموروث التقليدي حتى نهايته، وبالتالي ليس لـ"بادجي" أي خليفة في المهنة.
أما عالمة الاثنولوجيا السويسرية "بورناند", فقد استفادت الكثير من "جيبو", حيث لديها اليوم حوالي 500 ساعة من التسجيلات التي كانت تعمل على كتابتها في لغة الزرما والفرنسية، وقد أصدرتْ بالفعل بعضًا منها ، بما في ذلك: "خطاب عالم نسب زارما في النيجر" ، "لنتحدث الزرما، لغة النيجر" و قصص "سُنَّا بونتو" الشهيرة و "حامَّا بوديجو باتي".
ومما نُسب إلى "بادجي" أيضا قوله: "عندما لا نسلك طريقاً، سيختفي هذا الطريق". فكان في رأي الجميع في عاصمة النيجر أعظم مؤرّخ وراوي قصص شفوية وعالم أنساب "زرما" في وقته.
وتقليديًّا يُدعى "جيبو بادجي" إلى الاحتفالات لتذكير الحاضرين عن المحتفل ونسبه، والثناء عليه وتذكيره بالتزاماته عبر سرد قصة لأسلافه.
وإذ كانت السويسرية "بورناند" تعزو سبب الاختفاء التدريجي لتقليد "زرما" الشفوي إلى تأثير الاستعمار والتغريب والتطرف, إلا أنّ " بادجي" قد ذكّر الناس قبل وفاته بأنه لم يُفشِ كل الأسرار ولم يُخبر عالمة الاثنولوجيا الأوروبية (السويسرية) كلّ ما يعرفه عن هذا الموروث التقليدي, لأن هناك أسرارا لـ"زرما" سيحملها هو معه إلى القبر!
لمزيد من القراءة عن "جيبو", اقرأوا هذه الكتب والمقالات, لكل من: Sandra Bornand, Amélie Tulet , Adaku Nwakanma وغيرها من الكتابات عن الحكايات الشعبية في أفريقيا.