وإذ يبدو من الوهلة الأولى أن فوز "بخاري" كان لتلوُّث مرشح حزب المعارضة الرئيسي – الحاج "أتيكو أبوبكر" – بالفساد، إلا أن متابعة جغرافية الناخبين، وخصائص مناطقهم، ومطالبهم السياسية؛ تعطي تفسيرًا آخر لأسباب خسارة "أتيكو" في هذه الانتخابات.
وكالمتوقع سابقًا بعد تأجيل موعد الانتخابات من 16 فبراير إلى 23 فبراير 2019م؛ أعلن "أتيكو" رفضه للنتيجة الرسمية على أنها "تنفيذ لسرقة كبرى لإرادة الشعب"، وذلك بعد يوم من إعلانها مِن قِبَل رئيس اللجنة الانتخابية "محمود ياكوبو".
ومع ذلك، لا يزال رؤساء الدول من جميع أنحاء العالم يبعثون تهانيهم إلى "محمد بخاري" الرئيس المعاد انتخابه، منهم "سيريل رامافوسا" من جنوب إفريقيا، و "أوهورو كينياتا" من كينيا، و"نانا أدو دانكوا أكوفو – أدو" من غانا، وغيرهم الكثير.
نتائج الانتخابات الرئاسية
تؤكد نتائج اللجنة الانتخابية من جميع الولايات النيجيرية على فوز "محمد بخاري"؛ حيث ينص الدستور على أنه يجب على الفائز أن يحصل على أكبر عدد من الأصوات، إضافة إلى ما لا يقل عن ربع الأصوات في ثلثي ولايات نيجيريا الـ36 مع العاصمة الفدرالية أبوجا. وإلّا ستكون هناك جولة لإعادة الانتخابات.
ووفقًا للجنة الانتخابية بعد فرز الأصوات من جميع الولايات؛ حصل حزب بخاري (APC) على 15.2 مليون صوت (56%), مقارنة بـ 11.3 مليون (41%) لحزب أتيكو (APC) - خلافًا لتوقعات عدد من الاستطلاعات التي وصفت هذه الانتخابات بـ "سباق ضيِّق" بين الرئيس بخاري ونائب الرئيس السابق "أتيكو". وبلغت نسبة إقبال الناخبين على الاقتراع 35.6%، وهي نسبة أقل مقارنة بـ 44% في الانتخابات الرئاسية لعام 2015م.
[caption id="attachment_1198" align="aligncenter" width="700"] مصدر النتائج والأرقام: لجنة الانتخابات الوطنية المستقلّة في نيجيريا (INEC)[/caption]
"أُعلن محمد بخاري من حزب مؤتمر كل التقدميين، بعد أن استوفى شرط القانون وسجَّل أكبر عدد من الأصوات، أنه الفائز (في الانتخابات الرئاسية)"؛ هكذا قال "محمود ياكوبو" رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة لوكلاء الانتخابات والصحفيين.
وتشمل الـ19 ولاية التي فاز فيها الرئيس "بخاري" كل من: أَوْشُنْ (جنوب الغرب)، إِكِيْتي (جنوب الغرب)، كوارا (الحزام الأوسط/ غرب الوسط)، ناساراوا (الحزام الأوسط/شمال الوسط)، كوغى (الحزام الأوسط)، غومبي (شمال الشرق)، يوبي (شمال الشرق)، ولاية نَيْجَرْ (الحزام الأوسط/شمال الشرق)، جِيغَاوَا (شمال الغرب)، كدونا (شمال الغرب)، بوتشي (شمال الشرق)، لاغوس (جنوب الغرب)، أَوْغُنْ (جنوب الغرب)، كانو (شمال الغرب)، كَتْسينا (شمال الغرب)، بورنو (شمال الشرق)، زَمْفارا (شمال الشرق)، كَيْبِي (شمال الغرب) وسوكوتو (شمال الغرب).
وفي المقابل، حاز "أتيكو" على أكبر الأصوات في 17 ولاية، والعاصمة الفدرالية أبوجا. وهذه الولايات هي: أَوْندو (جنوب غرب)، آبيا (جنوب الشرق)، إينوغُو (جنوب الشرق)، ايبونيِي (جنوب الشرق)، اداماوا (شمال الشرق، ولاية أتيكو أبوبكر)، أويو (جنوب الغرب)، أنامبرا (جنوب الشرق)، إيدو (جنوب الجنوب)، بَلَيْتُو (الحزام الأوسط)، بينو (الحزام الأوسط / الجنوب الشرقي)، إيمو (جنوب الشرق)، تارابا (الحزام الأوسط / شمال الشرق)، أكوا إيبوم (جنوب الجنوب)، كروس ريفر (جنوب الجنوب)، ريفرز (جنوب-الجنوب)، دلتا (جنوب-الجنوب)، بايلسا (جنوب-الجنوب).
هذا، وأبدى رئيس لجنة الانتخابات يوم الأحد 24 فبراير سعادته بالتقدم الذي أحرزته اللجنة في إجراء انتخابات الجمعية الوطنية والرئاسية، رغم تحفظات بعض المراقبين المحليين وشكاوى الناخبين.
دلالات فوز "بخاري"
يرى محللون أنَّ رئاسيات نيجيريا الأخيرة بمثابة استفتاء على أمانة وصدق "بخاري"؛ حيث فضَّل الناخبون صاحب المكنسة (شعار حزب بخاري) على صاحب المظلة (شعار حزب أتيكو) في المراكز الانتخابية، وكأنهم يعلنون استعدادهم لإبعاد الكسب غير المشروع الذي أعطى البلاد سمعة سيئة في جميع أنحاء العالم.
ويؤكد على ما سبق قول "بخاري" بعد إعلان فوزه بأنه يخطط لمواصلة العمل لتحسين الأمن والاقتصاد ومحاربة الفساد، حاثًّا أنصاره على "ألا يسخروا من المعارضة ويذلّوهم؛ فالنصر مكافأة كافية لجهودكم".
ومن الملاحظ أن "بخاري" فاز في لاغوس بفارق ضئيل؛ حيث صوَّت 1.1 مليون شخص فقط في الانتخابات من أصل 20 مليون نسمة من سكان الولاية، بالإضافة إلى ولاية كانو المحورية - رغم انتقال حاكمها السابق القوي "رابيو كوانكواسو" من حزب بخاري (APC) إلى حزب أتيكو (PDP) في العام الماضي.
ويبدو من النتائج أيضًا أن سكان أبوجا -العاصمة الفدرالية-، وعدد من الولايات الجنوبية ومنطقة الحزام الأوسط فضَّلوا التصويت لـ "أتيكو أبوبكر" – بدلاً من بخاري- لأسباب واضحة؛ منها: أنّ مؤشر أداء بخارى لم يكن قويًّا من ناحية الاقتصاد في فترة رئاسته الأولى المنتهية، بينما تتمتع جلُّ هذه الولايات بمدن صناعية وتجمعات تجارية ومجتمعات الأعمال التي ترى برامج "أتيكو" لإنعاش الاقتصاد النيجيري أكثر ملاءة وواقعية.
ويضاف إلى ما سبق أن تعهد "أتيكو" بإعادة هيكلة نظام الحكم الفيدرالي بما يتلاءم مع ما يدعو إليه زعماء الجنوب لإنهاء أزمة الانفصال في منطقة الشرق، وما يصفونه بـ "الهيمنة السياسية والإدارية" من الشمال.
ويرى سكان منطقة الحزام الأوسط أن استجابة "بخاري" للهجمات التي يتعرَّض لها مزارعوهم ضعيفة وغير مسؤولة، ما جعلهم يفسرون سكوته الطويل حيال الأزمة على أنه من الفلان، وهي المجموعة العِرْقِيَّة التي يُنْسَب إليها الرعاة المتَّهمون بتنفيذ الهجمات المتكررة.
واستفاد محمد "بخاري" أيضًا في فوزه من قوة منصبه الرئاسي؛ لأن مجرّد تكرار شعار "محاربة الفساد" لا يكفي لإقناع ملايين الناخبين، خصوصًا وأنَّ بعض المتَّهمين بالفساد من الشخصيات البارزة في حزبه -بمن فيهم حاكم ولايةٍ صُوِّرَ بكاميرا خفية وهو يقبض الرشوة– لم يُحاكَموا حتى الآن. بل ودافَع عنهم "بخاري" في بعض خطاباته رغم وضوح فسادهم. ولذا يذهب النقاد إلى أنه استهدف خصومًا سياسيين في تحقيقاته المتعلقة بمكافحة الفساد.
ولعب انخفاض نسبة المشاركة في يوم الانتخابات العامل الذي عزَّز من حظوظ "بخاري" لإصرار أنصاره على التصويت، بينما يئس أنصار "أتيكو" من نزاهة الانتخابات بعد تأجيلها. وصرح بعض الناخبين بأنهم لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع بسبب فشل الحكومة الحالية في السنوات الأربع الماضية.
هذا، ولا يمكن تجاهل تأثير قرار تأخير الانتخابات بأسبوع قبل ساعات من فتح مراكز الاقتراع، بعد أن قام العديد من الناخبين المسجلين برحلات طويلة إلى مناطقهم الأصلية للتصويت؛ حيث استسلموا ورجعوا إلى ديارهم عندما أجَّل المسؤولون موعد الانتخابات، ولا يمكنهم التصويت غيابيًّا من مناطق تواجدهم؛ لعدم سماح الدستور النيجيري بذلك.
نزاهة الانتخابات
لقد أذاعت الإذاعات المحلية شهادات ناخبين عن حدوث عمليات شراء الأصوات في بعض مراكز الاقتراع، وهناك تقارير من مناطق مختلفة عن فشل قارئي البطاقات المستخدَمة لتحقيق هوية الناخبين واعتمادهم، والهجمات المتطرفة في شمال شرقي البلاد أثناء الانتخابات. كما تأخّر فتح مراكز الاقتراع في أماكن أخرى، ما أدَّى في بعض الحالات إلى استمرار التصويت في اليوم التالي (يوم الأحد).
ووصف "أتيكو أبوبكر" في البيان الذي أصدره بعد إعلان فوز "بخاري"، النتائج بـأنها "انتخابات زائفة"، مضيفًا أنه سيطعن على النتيجة في المحكمة. واستشهد بما أسماه "استحالة إحصائية" للنتائج في بعض الولايات الشمالية؛ حيث أشارت نتائج لجنة الانتخابات إلى أن نسبة الإقبال كانت مرتفعة على الرغم من حقيقة أن الحياة هناك مضطربة بسبب التحديات الأمنية. وكذلك فوز الحزب الحاكم في الولايات التي هي أساسًا ضمن معاقل المعارضة.
وأشار "أتيكو أبوبكر" أيضًا إلى العنف الذي واجهه الناخبون في بعض الولايات الجنوبية؛ حيث قال: إن الجنود أطلقوا النار على المدنيين، وعلى حدّ تعبيره فـ"إن عسكرة العملية الانتخابية تسيء إلى ديمقراطيتنا، والعودة إلى حقبة الديكتاتورية العسكرية".
هذا وقد قدّمت حوالي 20 مجموعة من المجتمع المدني المحلي التي شاركت في عملية المراقبة قوائم المخالفات أثناء التصويت، مع تسجيل مقتل 39 شخصًا على الأقل في عدة ولايات. وكان أحد الضحايا موظفًا انتخابيًّا شابًّا أُصيب برصاصة طائشة. وطالب حزب حزب "أتيكو" في مرحلة ما بإيقاف عملية الفرز، لكن بعض المراقبين الدوليين أشاروا إلى أن كل هذه المشاكل والمخالفات لم تكن واسعة الانتشار بما يكفي للتأثير على النتيجة النهائية.
وإذ تعهد "أتيكو" بتحدِّي النتائج في المحكمة، إلا أنَّ حظه بالفوز فيها ضئيل؛ لأن الرئيس "بخاري" قبل موعد الانتخابات بوقت قصير قد علَّق رئيس المحكمة العليا "والتر أونوغين"؛ الذي سيحكم في أيّ نزاع بشأن النتائج، وعيَّن نيابة عنه رئيس محكمة جديد وُصِفَ بأنه من مؤيدي "بخاري". وقد انتُقِدَ قرار "بخاري" بأنه "محاولة محسوبة لكسب بعض المزايا الانتخابية" في حالة وجود تحدٍّ قانوني.
وأخيرًا، قد يجادل منتقدو "بخاري" على أن سِجِلّ حكومته في الفترة الرئاسية الأولى غير محفِّز ومشجِّع، ولكنَّ الحقيقة في النهاية أنه فاز في هذه الانتخابات؛ لأن "حزب الشعب الديمقراطي" (PDP) والأحزاب السياسية الأخرى (أو القوى الثالثة) لم يستطيعوا تقديم أيّ مرشح بديل يحظى بثقة وقبول أغلبية الناخبين.
ــــــــــــ
** تنبيه: نشرتُ هذا المحتوى أيضا في قراءات إفريقية حيث أعمل ككاتب دائم ومُعدّ التقارير حول مستجدات القارة الأفريقية.