وقد فصَّل "جيم ماكدونيل" في هذا لاحقًا عام 2011م عندما قال: إن التقنيات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لا تخلو من شخص متصل بها، وإنه على هذا "الفرد المتصل بالشبكة" أن يتعلم المهارات و"الفضائل" التي تجعله قادرًا على المشاركة والازدهار عبر الإنترنت، خصوصًا في المجتمعات العالمية الأكثر تعقيدًا.
اليوم أصبح لزامًا على من يريد النجاح في القرن الحادي والعشرين أن يتبنَّى الشَّابِكة (أو الإنترنت)، ومن المرجّح أن يعزّز حُسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أنشطةَ المبتكرين التجارية والتعليمية، وأن يساعد في إحداث التغيير في مختلف المجالات الاجتماعية. ولكن البروفيسور "تيري أندرسن" في دراسته الجديدة قد نوَّه أيضًا إلى الجانب السلبي المتمثل في إمكانية فقدان التحكم في هذه الوسائل الاجتماعية، واستخدام بياناتها بشكل غير لائق مِن قِبَل الأشخاص والمؤسسات.
وقد أثرت رقمنة الإعلام بإفريقيا وتحوّل السكان الأفارقة بشكل متزايد من مستهلكي الوسائل الإعلامية التقليدية إلى مستخدمي الشبكات الاجتماعية؛ في التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان لهذا التحوُّل تأثيره على طبيعة الأعمال التقليدية التي تأبى التكيُّف مع الوضع الجديد وإعادة الهيكلة، أو التي ترفض فكرة أنّ بإمكان الشبكات الاجتماعية أن تُعزّز أعمالها ورسائلها.
وأعطت هذه الوسائط الجديدة مواطني الدول الإفريقية فرصًا لإعادة تشكيل الطريقة التي يشاركون بها في المناقشات السياسية، وخلق بدائل لأنفسهم من حيث الأعمال التجارية، الأمر الذي قُوبِلَ بتفاؤل شديد مِن قِبَل الباحثين داخل إفريقيا الذين يدرسون العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع، ومدى فاعلية النشاط الرقمي (digital activism).
"جيل الفهد" والتغيير في إفريقيا
لقد شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة أعلى معدلات نُموّ في العالم؛ من حيث انتشار الإنترنت واستخدامه، ما يعني توقُّع المزيد من الأحداث والتغييرات التي ستلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا رئيسًا فيها. كما يعني أن القارة ستجذب المزيد من المستثمرين الدوليين؛ نظرًا لأعداد سُكّانها الذين يُعْتَبرون أغلبية شابَّة، أو "جيل الفهد" كما سمّاهم الاقتصادي الغاني "جورج أيِتَيْ" (George Ayittey).
[caption id="attachment_1321" align="alignleft" width="300"] مؤيدو الناشط السياسي "ايفان مواريري" قائد مظاهرات "thisflag" في زيمبابوي.[/caption]
ويزخر "جيل الفهد" الإفريقي بصُنّاع القرار والمخترعين وأصحاب رؤوس الأموال والكُتّاب وصانعي السياسات الذين خذلتْهم حكوماتهم، ورأوا أن الأحرى بهم أن يقودوا ذلك التغيير الذي يحلمون به بأنفسهم، بدءًا من إعادة تشكيل القارة. وكانت الأداة المتاحة بسهولة لجميع هؤلاء الشباب هي الإنترنت والشبكات الاجتماعية؛ فأطلقوا المواقع الإلكترونية لرواية قصصهم بإيجابية، وسرد حكاياتهم بواقعية؛ لدحض النمطية المعتادة. كما استخدموا الشبكات التواصلية مثل الفيسبوك وتويتر؛ لمناهضة حكوماتهم، بكشف فساد أفرادها، وفرض الإصلاح على الإدارات السياسية.
ولذلك شهدت القارة في السنوات الأخيرة نماذج حية ناجحة عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في إحداث ثورات ومظاهرات؛ ففي عام 2011م أعاد التونسيون والمصريون كتابة تاريخهم باستخدام الشبكات الاجتماعية في مساعي إسقاط رئيسَيْهم، بينما أطلقت مجموعة من الجنوب إفريقيين عام 2015م حملة #ZumaMustFall لإقالة الرئيس السابق "جاكوب زوما" من رئاسة البلاد، وآخرون في زيمبابوي عام 2016م قادوا حملة #ThisFlag الإلكترونية لإزاحة الرئيس السابق "روبرت موغابي" عن السلطة.
وبالإضافة إلى المطالبات بإصلاحات سياسية واجتماعية، فقد ركّز مطوّرو التكنولوجيا ومدوّنون في نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا مجهوداتهم على استغلال الصفحات الاجتماعية والتقتيات الحديثة الأخرى لوضع بلدانهم على خريطة العالم بشكل إيجابي، والمساهمة في التنمية الإفريقية.
وقد وصفت "مريم جامي" -سيدة أعمال سنغالية- الطفرة في وسائل الإعلام الجديدة بإفريقيا، بأنها تُتيح للأفارقة نفخ بوقهم بأفواههم، وجعل حكوماتهم مسؤولة، وإجبار مجتمع التنمية الدولي على إعادة تحديد استراتيجية الاتصال مع إفريقيا بشفافية؛ حتى يتمكن الجيل الجديد من المشاركة في المشاريع المجتمعية والبرامج التنموية.
من جانب آخر؛ اضطرّ القادة الأفارقة إلى تسجيل حضورهم على المواقع الاجتماعية؛ وذلك لوصول عدد أكبر من الجماهير أو لمتابعة شكاوى المواطنين والنقاشات السائدة؛ ففي سبتمبر 2010م أعلن الرئيس النيجيري السابق "غودلاك جوناثان" ترشيحه لرئاسة البلاد عبر الفيسبوك؛ حيث وصل إعلانه إلى مئات الآلاف خلال دقائق. كما قرّب هذا الحضور أيضًا عملية الحوكمة إلى المواطنين الذين يتحدّون مسؤوليهم، ويطلبون اتخاذ إجراءات محدَّدة، أو إثارة قضية معيَّنة عبر تغريدة قصيرة فقط. بل إن المنشورات على الصفحات الاجتماعية أصبحت وقودًا لتحفيز التحركات في الشوارع تأييدًا أو معارضةً للحكومات الإفريقية.
تحديات استخدام الشبكات الاجتماعية في أفريقيا
على الرغم من الفوائد المذكورة لاستخدام الشبكات الاجتماعية في إفريقيا، إلا أنها أيضًا من الأدوات الفعَّالة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، وحركات العنف في إفريقيا؛ للتأثير في السكان المحليين وأفراد قوات الأمن المكافحين لأنشطتهم، وذلك عبر نشر فيديوهات مختلفة تُرَوِّج لأنشطتها وهزيمتها للحكومات، ونشر تغريدات تُعبِّر عن إمكاناتها وقدرتها على مواصلة شنّ الهجمات (تبنّتْ هذا النهج كلٌّ من "بوكو حرام" في بحيرة تشاد وشمال شرق نيجيريا، وحركات متطرفة أخرى في الساحل وشرق إفريقيا). بل وتزوّد وسائل التواصل الاجتماعي الإرهابيين بأداة تشغيلية لتجنيد الأطفال، واستدراج الشباب، وتدريبهم، والتواصل معهم.
يُضاف إلى ما سبق: أنَّ المشاهد السياسية في إفريقيا لم تسلم من انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة لزعزعة الاستقرار وإحداث البلبلة؛ وذلك لنيل مكاسب سياسية معيَّنة. وتكفي أحداث الهجمات الأخيرة على الأجانب بجنوب إفريقيا كمثال على ذلك؛ حيث إنَّ الأخبار المُضَلِّلَة والتغريدات المسيئة للأجانب، وخصوصًا الأفارقة المقيمين في البلاد، ساهمت في إثارة غضب المواطنين الجنوب إفريقيين الذين خرجوا وطلبوا من الأجانب مغادرة بلادهم.
وقد أشار كُتّابٌ وباحثون إلى أن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الأزمات بمثابة الدور الذي لعبتْه الوسائل الإعلامية - كالإذاعة (الراديو) - في أعمال العنف برواندا عام 1994م، أو دور الرسائل النصية في أزمة كينيا عام 2007م؛ بنشر الإشاعات، وغرس الخوف، وتعبئة مرتكبي الجرائم والعنف.
يُضاف إلى ما سبق أنَّ الانتخابات في مختلف الدول الإفريقية ظلّتْ أهدافًا لحملات التضليل مِن قِبَل مجموعات تابعة لفصائل سياسية محدَّدة بالاعتماد على تطبيقات الشبكات الاجتماعية؛ ففي شهر مايو الماضي أعلنت الفيسبوك أنها حذفتْ شبكة من الحسابات المزيفة التابعة لشركة إسرائيلية استهدفت الانتخابات الإفريقية وشخصيات سياسية داخل القارة.
الحكومات الأفريقية وإغلاق الشبكات الاجتماعية
تتكرر سيناريوهات حظر الإنترنت، وإغلاق الشبكات الاجتماعية في عدة دول إفريقية. وقد برَّر مسؤولو هذه الدول أفعالهم بأنهم يحاولون الصدّ عن الأخبار المزيفة ومخاطر التضليل الإعلامي عبر الإنترنت أثناء الأزمات والهجمات الإرهابية والاضطرابات الاجتماعية.
وقد حدث أول التعتيم الرقمي المعروف في إفريقيا جنوب الصحراء عام 2007م، عندما أمر الرئيس السابق "لانسانا كونتي" في غينيا بحجب الإنترنت في أعقاب الاحتجاجات الداعية إلى استقالته. فانتهج رؤساء آخرون منهجه لاحقًا، وخاصة بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي ينظرون إليها بريبة وخطورة. واليوم شهدت حوالي 26 من أصل 54 دولة إفريقية حجب الإنترنت أو إغلاق الشبكات الاجتماعية؛ بما فيها: الكاميرون، بنين، مصر، إثيوبيا، السودان، تشاد، والكونغو الديمقراطية.
ولم تكتفِ بعض الحكومات بالحجب فقط، بل سعتْ أيضًا إلى تقديم لوائح عقابية وسنِّ قوانين حول الإنترنت والشبكات الاجتماعية (أوغندا وتنزانيا على سبيل المثال) -وهي خطوة تهدف أحيانا إلى الحدّ من إبداء الشباب لآرائهم عبر الإنترنت في الدول التي يحكمها "الرجال الأقوياء"، وتُشكّل تهديدًا للنجاحات التي أحرزتها القارة من حيث مشاركة المجتمعات والشباب في العملية السياسية وقيادة التغييرات الاجتماعية وتحسين الحياة العامة.
ونتيجةً لذلك، يلجأ الكثير من مواطني الدول التي تحظر الإنترنت إلى شبكات افتراضية خاصة للتحايل على الحظر، وأخذ آخرون على عاتقهم مهمة تحدِّي الحظر والحجب في المحاكم؛ كالذي حدث في أوغندا والسودان وزيمبابوي والكاميرون والكونغو الديمقراطية.
وإذ يرى الخبراء أن موقف الحكومات -بأنها تحجب الإنترنت لصدّ الأخبار المزيفة- غير مبرَّر، فإن هناك شبه اتفاق بين الباحثين على أن حجب الإنترنت أو إغلاق الشبكات الاجتماعية لا يردع المظاهرات والاحتجاجات. ففي السودان مؤخرًا لم تتمكن القيود المفروضة على وسائل التواصل الاجتماعي وحجب الإنترنت من وقف الاحتجاجات السلمية. وفي الجزائر واصل المتظاهرون دعواتهم لاستقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة من منصبه حتى عندما حظرتْ إدارتُهُ الإنترنتَ.
"يجب علينا أن نتذكر أن عمليات الإغلاق (للإنترنت) ليست أسلوبًا جراحيًّا وموجهًا داخليًّا لاستهداف اللغة الخطرة، إنها (فقط) تُعادل بشكل رقميٍّ عمليةَ كسر الباب"؛ هكذا قال "جان رايدزاك" الذي يدرس ديناميات إغلاق الإنترنت وحجب الشبكات الاجتماعية في حاضنة السياسة الرقمية العالمية بجامعة ستانفورد.
أما عن مكافحة الأخبار المزيفة عبر الإنترنت؛ فإن الطريقة الفعّالة –وفق الخبراء- أن تعمل الحكومات الإفريقية مع مجتمعاتها المدنية والمنافذ الإعلامية للمساعدة في إظهار الحقائق وكشف التضليل في الأخبار والمنشورات. ويمكن للحكومات أيضًا أن تتعاون مع شركات الشبكات الاجتماعية ومطوّريها؛ لبحث حلول تتناسب مع بيئاتها ولغاتها المحلية.